الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الماوردي المسمى بـ «النكت والعيون» ***
{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109)} {يَومَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} يعني به يوم القيامة، لأن الناس فيه بين مُثَابٌ بالجنة ومُعاقَبٌ بالنار فوصِف وجه المُثَاب بالبياض لإسفاره بالسرور، ووصف وجه المُعَاقَب بالسواد لإنكسافه بالحزن. {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُم تَكْفُرُونَ} وفي هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم أربعة أقاويل: الأول: أنهم الذين كفرواْ بعد إظهار الإيمان بالنفاق، وهو قول الحسن. والثاني: أنهم الذين كفروا بالارتداد بعد إسلامهم، وهو قول مجاهد. والثالث: هم الذين كفروا من أهل الكتاب بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بِنَعْتِهِ ووصفه، وهو قول الزجاج. والرابع: هم جميع الكفار لإعراضهم عما يوجبه الإقرار بالتوحيد حين أَشْهَدَهُم الله تعالى على أنفسهم {أَلسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف: 172] وهو قول أبي بن كعب.
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112)} {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} فإن قيل: فَلِمَ قال كنتم خير أمة ولم يقل أنتم خير أمة؟ ففيه أربعة أجوبة: أحدها: أن الله تعالى قد كان قدم البشارة لهم بأنهم خير أمة، فقال: {كُنْتُمْ} يعني إلى ما تقدم في البشارة، وهذا قول الحسن البصري. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَنتُم تُتِمَّونَ سَبْعِن أُمةً أَنْتُم خَيرُها وأَكْرمُها عَلَى اللهِ ». والثاني: أن ذلك لتأكيد الأمر لأن المتقدم مستصحب وليس الآنف متقدماً، وذلك مثل قوله تعالى: {وكان الله غفوراً رحيماً}. والثالث: معناه خلقهم خير أمّة. والرابع: كنتم خير أمّة في اللوح المحفوظ.
{لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116) مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)} {لَيْسُوا سَوَاءً، مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَةٌ قَآئِمَةٌ} روي عن ابن عباس أن سبب نزولها أنه أسلم عبد الله ابن سلام وجماعة معه، فقالت أحبار اليهود: ما آمن بمحمد إلاّ شرارنا، فأنزل الله تعالى: {لَيسُوا سَوَاءً} إلى قوله: {وأولئك مِنَ الصَّالِحِينَ}. {أمةٌ قَائِمَةٌ} فيه ثلاث تأويلات: أحدها: عادلة، وهو قول الحسن، وابن جريج. والثاني: قائمة بطاعة الله، وهو قول السدي. والثالث: يعني ثابتة على أمر الله تعالى، وهو قول ابن عباس، وقتادة، والربيع. {يَتْلُونَ ءَايَاتِ اللهِ ءَانآءَ اللَّيْلِ} فيه تأويلان: أحدهما: ساعات الليل، وهو قول الحسن، والربيع. والثاني: جوف الليل، وهو قول السدي. واختلف في المراد بالتلاوة في هذا الوقت على قولين: أحدهما: صلاة العَتْمَة، وهو قول عبد الله بن مسعود. والثاني: صلاة المغرب والعشاء، وهو قول الثوري. {وَهُمْ يَسْجُدُونَ} فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: يعني سجود الصلاة. والثاني: يريد الصلاة لأن القراءة لا تكون في السجود ولا في الركوع، وهذا قول الزجاج، والفراء. والثالث: معناه يتلون آيات الله أناء الليل وهم مع ذلك يسجدون. {مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ} اختلفواْ في سبب نزولها على قولين: أحدهما: أنها نزلت في أبي سفيان وأصحابه يوم بدر عند تظاهرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثاني: أنه نزلت في نفقة المنافقين مع المؤمنين في حرب المشركين على جهة النفاق. وفي الصّرِّ تأويلان: أحدهما: هو البرد الشديد، وهو قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، والسدي. والثاني: أنه صوت لهب النار التي تكون في الريح، وهو قول الزجاج، وأصل الصّر صوت من الصرير. {أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} فيه تأويلان: أحدهما: معناه أن ظلمهم اقتضى هلاك زرعهم. والثاني: يعني أنهم ظلموا أنفسهم بأن زرعواْ في غير موضع الزرع وفي غير وقته فجاءت ريح فأهلكته فضرب الله تعالى هذا مثلاً لهلاك نفقتهم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)} {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ} قيل إنها نزلت في قوم من المسلمين صافوا بعض المشركين من اليهود والمنافقين المودة لمصاحبة في الجاهلية فَنُهُوا عن ذلك. والبطانة هم خاصة الرجل الذين يستبطنون أمره، والأصل البطن، ومنه بطانة الثوب لأنها تلي البطن. {لاَ يِأْلُونَكُمْ خَبَالاً} أي لا يقصرون في أمركم. والخبال: النَّكال، وأصله الفساد ومنه الخبل الجنون. {وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ} فيه تأويلان: أحدهما: ودوا إضلالكم عن دينكم، وهو قول السدي. والثاني: ودوا أن تعنتوا في دينكم أي تحملون على المشقة فيه، وهو قول ابن جريج، وأصل العنت المشقة. {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} أي بدا منها ما يدل عليها. {وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُم أَكْبَرُ} مما بدا.
{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)} {وَإذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} واختلفوا في أي مكان كان على قولين: أحدهما: أنه كان يوم أُحد، وهو قول ابن عباس، والربيع، وقتادة، والسدي، وابن اسحاق. والثاني: أنه كان يوم الأحزاب، وهو قول الحسن، ومجاهد. {تُبَوِّئ} أي تتخد منزلاً تبوئ فيه المؤمنين. ومعنى الآية: أنك ترتب المؤمنين في مواضعهم. {وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} فيه ثلاثة أقوال: أحدها: سميع بما يقوله المنافقون، عليم بما يضمرونه من التهديد. والثاني: سميع لما يقوله المشيرون عليك، عليم بما يضمرون من نصيح الرأي وغش القلوب. والثالث: سميع لما يقوله المؤمنون عليم بما يضمرون من خلوص النية. {إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنْكُمْ أَن تَفْشَلاَ} اختلف فيها على قولين: أحدهما: أنهم بنو سلمة وبنو حارثة من الأنصار، وهو قول ابن عباس، وجابر بن عبد الله، الحسن، وقتادة. والثاني: أنهم قوم من المهاجرين والأنصار. وفي سبب همّهم بالفشل قولان: أحدهما: أن عبد الله بن أبي سلول دعاهما إلى الرجوع عن لقاء المشركين يوم أحد، فهمّا به ولم يفعلا، وهذا قول السدي وابن جريج. والثاني: أنهم اختلفوا في الخروج في الغدو والمقام حتى همّا بالفشل، والفشل الجبن. {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلّةٌ} وبدر ماءٌ نزلوا عليه كان لرجل يسمى بدر، قال الزبير بن بكار هو بدر بن النضر بن كنانة فسمي باسم صاحبه، وهذا قول الشعبي، وقال غيره بل هو اسم له من غير إضافة إلى اسم صاحب. {وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} قولان: أحدهما: الضعف عن مقاومة العدو. والثاني: قلة العدد وضعف الحال. قال ابن عباس: كان المهاجرين يوم بدر سبعة وسبعين رجلاً، والأنصار مائتين وستة وثلاثين رجلاً، وكان المشركون ما بين تسعمائة وألف.
{إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)} {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ} يعني يوم بدر. {أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَن يُمدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ ءَالآفٍ مِنَ الْمَلآَئِكَةِ مُنزَلِينَ} والكفاية مقدار سد الخلة، والاكتفاء الاقتصار عليه، والإمداد إعطاء الشيء حالاً بعد حال، والأصل في الإمداد هو الزيادة ومنه مد الماء وهو زيادته. {بَلَى إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيِأْتُوكُم مِّن فَورِهِم هَذَا} فيه تأويلان: أحدهما: يعني من وجههم هذا، وهو قول ابن عباس، والحسن، وقتادة. والثاني: من غضبهم هذا، وهو قول مجاهد والضحاك وأبي صالح، وأصل الفور فور القِدْر، وهو غليانها عند شدة الحمى، ومنه فَوْرُ الغضب لأنه كَفَوْرِ القِدْر. {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسِةِ ءالآفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} قرأ بكسر الواو ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، ومعناها: أنهم سوّموا خليهم بعلامة، وقرأ الباقون بفتح الواو، ومعناها: أنها سائمة وهي المرسلة في المرعى. واختلفوا في التسويم على قولين: أحدهما: أنه كان بالصوف في نواصي الخيل وآذانها، وهو قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، ومجاهد، والضحاك. الثاني: أن الملائكة نزلت يوم بدر على خيل بلق وعليهم عمائم صفر، وهو قول هشام بن عروة. واختلفواْ في عددهم فقال الحسن: كانواْ خمسة آلاف، وقال غيره كانواْ ثمانية آلاف. قال ابن عباس لم يقاتل الملائكة إلا يوم بدر. {لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَروا} فيه قولان: أحدهما: أنه كان يوم بدر بقتل صناديدهم وقادتهم إلى الكفر، وهذا قول الحسن وقتادة. والثاني: أنه كان يوم أحد، كان الذي قتل منهم ثمانية عشر رجلاً، وهذا قول السدي. {لِيَقْطَعَ طَرَفاً} ولم يقل وسطاً لأن الطرف أقرب للمؤمنين من الوسط، فاختص القطع بما هو إليهم أقرب كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: 123] {أَوْ يَكْبِتَهُم فَيَنقَلِبُوا خَآئِبِينَ}، وفي {يَكْبِتَهُم} قولان: أحدهما: يحزنهم، وهو قول قتادة، والربيع. والثاني: الكبت: الصرع على الوجه، وهو قول الخليل. والفرق بين الخائب والآيس أن الخيبة لا تكون إلا بعد أمل، واليأس قد يكون قبل أمل. {لَيسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيءٌ} فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: ليس لك من الأمر شيء في عقابهم واستصلاحهم، وإنما ذلك إلى الله تعالى في أن يتوب عليهم أو يعذبهم. والثاني: ليس لك من الأمر شيء فيما تريده وتفعله في أصحابك وفيهم، وإنما ذلك إلى الله تعالى فيما يفعله من اللطف بهم في التوبة والاستصلاح أو في العذاب والانتقام. والثالث: أنزلت على سبب لما كسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم. واختلفوا في السبب فيه على قولين: أحدهما: أن قوماً قالوا بعد كسر رباعيته: كيف يفلح قوم نالوا هذا من نبيهم، وهو حريص على هدايتهم فنزلت هذه الآية، وهذا قول ابن عباس، وأنس بن مالك، والحسن وقتادة، والربيع. والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم هَمَّ بعد ذلك بالدعاء فأستأذن فيه، فنزلت هذه الآية فكف وإنما لم يؤذن فيه لما في المعلوم من توبة بعضهم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا} يريد بالأكل الأخذ، والربا زيادة القدر مقابلة لزيادة الأجل، وهو ربا الجاهلية المتعارف بينهم بالنساء. {أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً} وهو أن يقول له بعد حلول الأجل: إما أن تَقْضِيَ وإمَّا أَنْ تُرْبِيَ، فإن لم يفعله ضاعف ذلك عليه ثم يفعل كذلك عند حلوله من بعد حتى تصير أضعافاً مضاعفة. {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرينَ} فدل أن الربا من الكبائر التي يستحق عليها الوعيد بالنار. واختلفوا في نار آكل الربا على قولين: أحدهما: أنها كنار الكافرين من غير فرق تمسكاً بالظاهر. والثاني: أنها ونار الفجار أخف من نار الكفار، لما بينهما من تفاوت المعاصي. {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُم} أما الفاحشة ها هنا ففيها قولان: أحدهما: الكبائر من المعاصي. والثاني: الربا وهو قول جابر والسدي. {أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُم} قيل المراد به الصغائر من المعاصي. {ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِم} فيه قولان: أحدهما: أنهم ذكروه بقلوبهم فلم ينسوه، ليعينهم ذكره على التوبة والاستغفار. والثاني: ذكروا الله قولاً بأن قالوا: اللهم اغفر لنا ذنوبنا، فإن الله قد سهل على هذه الأمة ما شدد على بني إسرائيل، إذ كانوا إذا أذنب الواحد منهم أصبح مكتوباً على بابه من كفارة ذنبه: إجدع أنفك، إجدع أذنك ونحو ذلك، فجعل الاستغفار، وهذا قول ابن مسعود وعطاء بن أبي رباح. {وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُواْ} فيه أربعة تأويلات: أحدها: أنه الإصرار على المعاصي، وهو قول قتادة. والثاني: أنه مواقعة المعصية إذا هم بها، وهو قول الحسن. والثالث: السكوت على المعصية وترك الاستغفار منها، وهو قول السدي. والرابع: أنه الذنب من غير توبة. {وَهُم يَعْلَمُونَ} أنهم قد أتوا معصية ولا ينسونها، وقيل: معناه وهم يعلمون الجهة في أنها معصية.
{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)} {قَد خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ} فيه قولان: أحدهما: أنه سنن من الله في الأمم السالفة أهلكهم بها. والثاني: يعني أنهم أهل سنن كانوا عليها في الخير والشر، وهو قول الزجاج، وأصل السنة الطريقة المتبعة في الخير والشر، ومنه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال لبيد بن ربيعة: من معشر سنت لهم آباؤهم *** ولكل قوم سُنَّةٌ وإمامها وقال سليمان بن فيد: فإن الألى بالطف من آل هاشمٍ *** تآسَواْ فسنوا للكرام التآسيا {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} فيه قولان: أحدهما: أنه القرآن، وهذا قول الحسن، وقتادة. والثاني: أنه ما تقدم ذكره في قوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} الآية، وهذا قول ابن إسحاق. {وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} نور وأدب. {إِن يَمْسَسْكُم قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ} يعني أن يصيبكم قرح، قرأ أبو بكر عن عاصم، وحمزة، والكسائي بضم القاف، وقرأ الباقون بفتحها، وفيها قولان: أحدهما: أنها لغتان ومعناهما واحد. والثاني: أن القرح بالفتح: الجراح، وبالضم ألم الجراح، وهو قول الأكثرين. وأما الفرق بيت المس واللمس فهو أن اللمس مباشرة بإحساس، والمس مباشرة بغير إحساس، وهذا ما ذكره الله تعالى للمؤمنين تسلية لهم فإن أصابهم يوم أحد قرح فقد أصاب المشركين يوم بدر مثله. {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُها بَينَ النَّاسِ} قال الحسن، وقتادة: أي تكون مرة لفرقة، ومرة عليها والدولة: الكرة، يقال أدال الله فلاناً من فلان بأن جعل الكرة له عليه. {وَليُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ ءَآمَنُوا} فيه ثلاثة أقوال: أحدها: معناه ليبتلي، وهذا قول ابن عباس. والثاني: يعني بالتمحيص تخليصه من الذنوب، وهو قول أبي العباس والزجاج، أصل التمحيص عندهما التخليص. والثالث: معناه وليمحص الله ذنوب الذين آمنوا، وهو قول الفراء {وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} قال ابن عباس: ينقصهم. {وَلَقَدْ كُنتُم تَمنَّونَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ} قيل تمنى الموت بالجهاد من لم يحضر بدراً، فلما كان أحد أعراض كثير منهم فعاتبهم الله تعالى على ذلك، هكذا قال الحسن وقتادة ومجاهد. {فَقَدْ رَأَيتُمُوهُ وَأَنتُم تَنظُرُونَ} فيه قولان: أحدهما: يعني فقد علمتموه. والثاني: فقد رأيتم أسبابه.
{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)} {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرَّسُلُ}. سبب نزولها أنه لما أشيع يوم أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل، قال أناس: لو كان نبياً ما قتل، وقال آخرون: نقاتل على ما قاتل عليه حتى نلحق به. {أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} يعني رجعتم كفاراً بعد إيمانكم. {وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْدُّنيا نُؤْتِهِ مِنهَا} فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: من أراد بجهاده ثواب الدنيا أي ما يصيبه من الغنيمة، وهذا قول بعض البصريين. والثاني: من عمل للدنيا لم نحرمه ما قسمنا له فيها من غير حظ في الآخرة، وهذا قول ابن إسحاق. والثالث: من أراد ثواب الدنيا بالنهوض لها بعمل النوافل مع مواقعة الكبائر جوزي عليها في الدنيا دون الآخرة. {وَكَأّيِّن مِن نَّبِيٍ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} قرأ بذلك ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وقرأ الباقون {قَاتَلَ}، وفي {رِبِّيُّونَ} أربعة أقاويل: أحدها: أنهم الذين يعبدون الرب وأحدهم رِبّيُّ، وهو قول بعض نحْويي البصرة. الثاني: انهم الجماعات الكثيرة، وهو قول ابن مسعود وعكرمة ومجاهد. والثالث: انهم العلماء الكثيرون، وهو قول ابن عباس، والحسن. والرابع: أن (الربيون) الأتباع. والربانيون: الولاة، والربيون الرعية، وهو قول أبي زيد، قال الحسن: ما قُتِلَ نبي قط إِلاَّ في معركة. {فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُواْ} الوهن: الانكسار بالخوف. الضعف نقصان القوة، الاستكانة الخضوع، ومعناه فلم يهنوا بالخوف، ولا ضعفوا بنقصان القوة ولا استكانوا بالخضوع. وقال ابن إسحاق: فما وهنوا بقتل نبيهم ولا ضعفوا عن عدوهم ولا استكانواْ لما أصابهم. {فَآتَاهُم اللهُ ثَوَابَ الدُّنيَا وَحُسْنَ ثَوابِ الآخِرَةِ} في ثواب الدنيا قولان: أحدهما: النصر على عدوهم، وهو قول قتادة، والربيع. والثاني: الغنيمة، وهو قول ابن جريج {وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ} الجنة، في قول الجميع.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)} {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ} أي تقتلونهم في قول الجميع، يقال حَسه حَسّاً إذا قتله، لنه أبطل بمعونته. {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ} والفرق بين الإِصعاد والصعود أن الإِصعاد في مستوى الأرض، والصعود في ارتفاع، وهذا قول الفراء، وأبي العباس، والزجاج، وروي عن ابن عباس أنهم صعدوا في جبل أُحُد فراراً. {وَالرَّسُوْلُ يَدْعُوكُم فِي أُخْرَاكُم} قيل إنه كان يقول: «يَا عِبَادَ اللهِ ارْجِعُواْ» ذكر ذلك عن ابن عباس، والسدي، والربيع. {فَأَثَابَكُم غَماً بِغَمٍّ} فيه قولان: أحدهما: غماً على غم. والثاني: غمّاً مع غم. وفي الغم الأول والثاني تأويلان: أحدهما: أن الغم الأول القتل والجراح، والغم الثاني الإرجاف بقتل النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا قول قتادة، والربيع. والثاني: غماً يوم أحد بغم يوم بدر، وهو قول الحسن.
{ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)} {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيكُم مِنْ بَعدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ، وطَآئِفَةً قَدْ أَهَمَّتُهُمْ أَنفُسُهُمْ} وسبب ذلك أن المشركين يوم أُحد توعدوا المؤمنين بالرجوع، فكان من أخذته الأمَنَةُ من المؤمنين متأهبين للقتال، وهم أبو طلحة، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وغيرهم فنامواْ حتى أخذتهم الأمَنَةُ. {وطآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفسُهُمْ} من الخوف وهم من المنافقين عبدالله بن أبي بن سلول، ومعتب بن قشير، ومن معهما أخذهم الخوف فلم يناموا لسوء الظن. {يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} يعني في التكذيب بوعده. {يَقُولُونَ لَو كَانَ لَنَا مِنَ الأَمرِ شَيءٌ ما قُتِلْنَا هَا هُنَا} فيه قولان: أحدهما: أناّ أخرجنا كرهاً ولو كان الأمر إلينا ما خرجنا، وهذا قول الحسن. والثاني: أي ليس لنا من الظفر شيء، كما وعدنا، على جهة التكذيب لذلك. {قُلْ لَّو كُنتُم فِي بُيُوتِكُم لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِم} فيه قولان: أحدهما: يعني لو تخلفتم لخرج منكم المؤمنون ولم يتخلفوا بتخلفكم. والثاني: لو تخلفتم لخرج منكم الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم، ولم ينجهم قعودهم. {وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُم} فيه تأويلان: أحدهما: ليعاملكم معاملة المبتلى المختبر. والثاني: معناه ليبتلي أولياء الله ما في صدوركم فأضاف الابتلاء إليه تفخيماً لشأنه. {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّواْ مِنكُم يَومَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} فيهم تأويلان: أحدهما: هم كل من ولّى الدبر من المشركين بأحد وهذا قول عمر، وقتادة، والربيع. والثاني: أنهم من هرب إلى المدينة وقت الهزيمة، وهذا قول السدي. {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} فيه قولان: أحدهما: أنه محبتهم للغنيمة وحرصهم على الحياة. والثاني: استذلَّهم بذكر خطايا سلفت لهم، وكرهوا القتل قبل إخلاص التوبة منها والخروج من المظلمة فيها، وهذا قول الزجاج. {وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنهُم} فيه قولان: أحدهما: حلم عنهم إذ لم يعاجلهم بالعقوبة، وهذا قول ابن جريح وابن زيد. والثاني: غفر لهم الخطيئة ليدل على أنهم قد أخلصواْ التوبة. وقيل: إن الذين بقوا مع النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهزموا ثلاثة عشر رجلاً، منهم خمسة من المهاجرين: أبو بكر، وعلي، وطلحة، وعبد الرحمن، وعبد الرحمن، وسعد بن أبي وقاص، والباقون من الأنصار.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)} {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُم} يعني فبرحمة من الله، و{مَا} صلة دخلت لحسن النظم. {وَلَو كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} الفظ: الجافي، والغليظ القلب: القاسي، وجمع بين الصفتين، وإن كان معناهما واحداً للتأكيد. {فَاعْفُ عَنهُم وَاسْتَغْفِرْ لَهُم وَشَاوِرْهُم فِي الأمْرِ} وفي أمره بالمشاورة أربعة أقاويل: أحدها: أنه أمره بمشاورتهم في الحرب ليستقر له الرأي الصحيح فيه، قال الحسن: ما شاور قوم قط إلا هُدُوا لأرشد أمورهم. والثاني: أنه أمره بِمشاورتهم تأليفاً لهم وتطيباً لأنفسهم، وهذا قول قتادة، والربيع. والثالث: أنه أمره بمشاورتهم لِمَا علم فيها من الفضل، ولتتأسى أمته بذلك بعده صلى الله عليه وسلم، وهذا قول الضحاك. والرابع: أنه أمره بمشاورتهم ليستن به المسلمون ويتبعه فيها المؤمنون وإن كان عن مشورتهم غنياً، وهذا قول سفيان. {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ} قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو بفتح الياء وضم العين، وقرأ الباقون يغل بضم الياء وفتح الغين. ففي تأويل من قرأ بفتح الياء وضم الغين ثلاثة أقاويل: أحدها: أن قطيفة حمراء فقدت يوم بدر، فقال بعض الناس أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانزل الله تعالى هذه الآية، وهذا قول عكرمة، وسعيد بن جبير. والثاني: أنها نزلت في طلائع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجههم في وجه، ثم غنم الرسول فلم يقسم للطلائع فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ لنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ} أي يقسم لطائفة من المسلمين ويترك طائفة ويجور في القسم، وهذا قول ابن عباس، والضحاك. والثالث: أن معناه وما كان لنبي أن يكتم الناس ما بعثه الله إليهم لرهبة منه ولا رغبة فيهم، وهذا قول ابن إسحاق. وأما قراءة من قرأ يُغّل بضم الياء وفتح الغين ففيها قولان: أحدهما: يعني وما كان لنبي أن يتهمه أصحابه ويخوَّنوه. والثاني: معناه وما كان لنبي أن يغل أصحابه ويخونهم، وهذا قول الحسن، وقتادة. وأصل الغلول الغلل وهو دخول الماء في خلال الشجر، فسميت الخيانة غلولاً لأنها تجري في المال على خفاء كجري الماء، ومنه الغل الحقد لأنه العداوة تجري في النفس مجرى الغلل. {لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِن أَنُفُسِهِمْ} وفي وجه المنة بذلك ثلاثة أقاويل: أحدها: ليكون ذلك شرفاً لهم. والثاني: ليسهل عليهم تعلم الحكمة منه لأنه بلسانهم. والثالث: ليظهر لهم علم أحواله من الصدق والأمانة والعفة والطهارة. {يَتْلُو عَلَيهِمْ ءَآيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ} فيه ثلاث تأويلات: أحدها: أنه يشهد لهم بأنهم أزكياء في الدين. والثاني: أن يدعوهم إلى ما يكونون به أزكياء. والثالث: أنه يأخذ منهم الزكاة التي يطهرهم بها، وهو قول الفراء.
{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168)} {أَوَ لَمّآ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا} يعني بالمصيبة التي أصابتهم يوم أحد، وبالتي أصابوها يوم بدر. {قُلْتُمْ: أَنَّى هَذَا، قُلْ: هُوَ مِن عِنْدِ أَنفُسِكُمْ} في الذي هو من عند أنفسهم ثلاثة أقاويل: أحدها: خلافهم في الخروج من المدينة للقتال يوم أحد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يتحصنواْ بها، وهذا قول قتادة، والربيع. والثاني: اختيارهم الفداء من السبعين يوم بدر على القتل، وقد قيل لهم إن فعلتم ذلك قُتِلَ منكم مثلُهم، وهذا قول علي، وعبيدة السلماني. والثالث: خلاف الرماة يوم أحد لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في ملازمة موضعهم. {وَمَا أَصَابَكُمْ يَومَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبإِذْنِ اللهِ ولِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} فيه قولان: أحدهما: ليرى المؤمنين. والثاني: ليُمَيَّزُوا من المنافقين. {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ} يعني عبد الله بن أُبَيّ وأصحابه. {وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوا قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ} يعني جاهدواْ. {أَوِ ادْفَعُوا} فيه قولان: أحدهما: يعني تكثير السواد وإن لم يقاتلواْ وهو قول السدي وابن جريج. والثاني: معناه رابطواْ على الخيل إن لم تقاتلواْ، وهو قول ابن عوف الأنصاري. {قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لآَّتَّبَعْنَاكُمْ} قيل إن عبد الله بن عمرو ابن حزام قال لهم: [اتقوا الله ولا تتركوا نبيكم فقال له ابن أبي]: عَلاَمَ نقتل أنفسنا؟ ارجعواْ بنا لو نعلم قتالاً لاتبعناكم. {هُمْ لِلْكُفْرِ يَؤمَئِذٍ أَقْربُ مِنهُم لِلإِيمَانِ} لأنهم بإظهار الإيمان لا يحكم عليهم بحكم الكفار، وقد كانوا قبل ذلك بإظهار الإيمان أقرب إلى الإيمان، ثم صارواْ بما فعلوه أقرب إلى الكفر من الإيمان. {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} يعني ما يظهرونه من الإسلام وليس في قلوبهم منه شيء. وإنما قال: {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم} وإن كان القول لا يكون إلا به لأمرين: أحدهما: التأكيد. والثاني: أنه ربما نسب القول إلى الساكت مجازاً إذ كان به راضياً. {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِم وَقَعَدُواْ: لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُواْ} يعني عبد الله بن أُبَيّ وأصحابه حين انخذلوا وقعدوا، وكانوا نحو ثلثمائة وتخلف عنهم من قُتل منهم (فقالواْ) لو أطاعونا وقعدواْ معنا ما قُتِلواْ. {قُلْ فَادْرَؤُواْ عَن أَنفُسِكُم الْمَوتَ} أي ادفعواْ عن أنفسكم الموت، ومنه قول الشاعر: تقول وقد درأتُ لها وضيني *** أهذا دينه أبداً وديني {إِن كُنتُم صَادِقِينَ} فيه قولان: أحدهما: يعني في خبركم أنهم لو أطاعواْ ما قُتِلواْ. والثاني: معناه إن كنتم محقين في تثبيطكم عن الجهاد فراراً من القتل.
{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)} {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَآءٌ} يعني أنهم في الحال وبعد القتل بهذه الصفة، فأما في الجنة فحالهم في ذلك معلومة عند كافة المؤمنين، وليس يمتنع إحياؤهم في الحكمة. وقد روى ابن مسعود وجابر وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُم بِأُحدٍ جَعَلَ اللهُ أَرْوَاحَهُم فِي حَوَاصِلِ طَيْر خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهارَ الجَنَّةِ وَتَأْكُلُ مِن ثِمَارِها ». وفي {أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ} تأويلان: أحدهما: أنهم بحيث لا يملك لهم أحد نفعاً ولا ضراً إلا ربُّهُم. والثاني: انهم أحياء عند ربهم من حيث يعلم أنهم أحياء دون الناس. {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِنْ خَلْفِهِمْ} فيه قولان: أحدهما: يقولون: إخواننا يقتلون كما قتلنا فيصيبون من كرامة الله ما أصبنا، وهو قول قتادة، وابن جريج. والثاني: أنه يؤتى الشهيد بكتاب فيه ذكر من يقدم عليه من إخوانه فيبشر بذلك فيستبشر كما يستبشر أهل الغائب في الدنيا بقدومه، وهذا قول السدي. {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوهُم} أما الناس في الموضعين وإن كان بلفظ الجمع فهو واحد لأنه تقدير الكلام جاء القول من قِبَل الناس، والذين قال لهم الناس هم المسلمون وفي الناس القائل قولان: أحدهما: هو أعرابي جُعِل له على ذلك جُعْل، وهذا قول السدي. والثاني: هو نعيم بن مسعود الأشجعي، وهذا قول الواقدي. والناس الثاني أبو سفيان وأصحابه. واختلفوا في الوقت الذي أراد أبو سفيان أن يجمع لهم هذا الجمع على قولين: أحدهما: بعد رجوعه على أُحُد سنة ثلاث حتى أوقع الله في قلوب المشركين الرعب كفّوا، وهذا قول ابن عباس، وابن إسحاق، وقتادة. والثاني: أن ذلك في بدر الصغرى سنة أربع بعد أحد بسنه، وهذا قول مجاهد. {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} التخويف من الشيطان والقول من الناس، وفي تخويف أولياءئه قولان: أحدهما: أنه يخوف المؤمنين من أوليائه المشركين، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. والثاني: أنه يخوف أولياءَه المنافقين ليقعدوا عن قتال المشركين، وهذا قول الحسن، والسدي.
{وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178) مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)} {وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} فيهم قولان: أحدهما: هم المنافقون وهو قول مجاهد وابن إسحاق. والثاني: قوم من العرب ارتدوا عن الإسلام. {إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللهَ شَيئاً، يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الآخِرةِ} في إرادته لذلك ثلاثة أقاويل: أحدها: أن يحكم بذلك. والثاني: معناه أنه سيريد في الآخرة أن يحرمهم ثوابهم لإحباط إيمانهم بكفرهم. والثالث: يريد أن يحبط أعمالهم بما استحقوه من ذنوبهم، وهذا قول ابن إسحاق. {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} الطيب المؤمنون، والخبيث فيه ها هنا قولان: أحدهما المنافق، وهو قول مجاهد. والثاني: الكافر، وهو قول قتادة، والسدي. واختلفوا في الذي وقع به التمييز على قولين: أحدهما: بتكليف الجهاد، وهذا قول من تأوّل الخبيث بالمنافق. والثاني: بالدلائل التي يستدل بها عليهم وهذا قول من تأوله للكافر. {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيبِ} قيل إن سبب نزول هذا أن قوماً من المشركين قالواْ: إن كان محمد صادقاً فليخبرنا من يؤمن ومن لا يؤمن، فنزلت هذه الآية. قال السدي: ما أطلع الله نبيه على الغيب، ولكنه اجتباه فجعله رسولاً. قوله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءَآتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيرُ لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُم} فيه قولان. أحدهما: أنهم مانعو الزكاة، وهو قول السدي. والثاني: أنهم أهل الكتاب وبخلواْ أن يُبيِّنوا للناس ما في كتبهم من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو قول ابن عباس، قال ألم تسمع أنه قال: {يبخلون ويأمرون الناس بالبخل}، أي يكتمون ويأمرون الناس بالكتمان. {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَومَ الْقِيَامَةِ} فيه قولان: أحدهما: أن الذي يطوَّقونه شجاع أقرع، وهذا قول ابن مسعود. والثاني: أنه طوق من النار، وهذا قول إبراهيم.
{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182) الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)} قوله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفِسُكُمْ وَلَتْسَمُعنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذىً كَثِيراً}. وفي هذا الأذى ثلاثة أقاويل: أحدها: ما روي أن كعب بن الأشرف كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ويحرض عليهم المشركين حتى قتله محمد بن مسلمة، وهذا قول الزهري. والثاني: أن فنحاص اليهودي سيد بني قينقاع لما سئل الإمداد قال: احتاج ربكم إلى أن نمده، وهذا قول عكرمة. والثالث: أن الأذى ما كانوا يسمعونه من الشرك كقول اليهود: عزيز ابن الله، وكقول النصارى: المسيح ابن الله وهذا قول ابن جريج.
{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)} قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب} الميثاق: اليمين. وفي الذين أتوا الكتاب هاهنا ثلاثة أقاويل: أحدها: أنهم اليهود خاصة، وهذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي. والثاني: أنهم اليهود والنصارى. والثالث: انهم كل من أوتى علم شيءٍ من كتاب فقد أخذ أنبياؤهم ميثاقهم. {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} فيه قولان: أحدهما: ليبين نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا قول سعيد بن جبير، والسدي. والثاني: ليبين الكتاب الذي فيه ذكره، وهذا قول الحسن، وقتادة. قوله تعالى: {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} فيهم قولان: أحدهما: أنهم أهل الكتاب فرحوا بالاجتماع على تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم وإخفاء أمره، وأحبواْ أن يحمدواْ بما ليس فيهم من أنهم أهل نسك وعلم، وهذا قول ابن عباس، والضحاك. والثاني: أنهم أهل النفاق فرحوا بقعودهم عن القتال وأحبواْ أن يحمدوا بما ليس فيهم من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهذا قول أبي سعيد الخدري، وابن زيد.
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)} قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَن ءَامِنُوا ِبربِّكُمْ فَآمنّا} في المنادي قولان: أحدهما: أنه القرآن وهو قول محمد بن كعب القرظي قال: ليس كل الناس سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثاني: انه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول ابن جريج وابن زيد. {يُنَادِي لِلإِيمَانِ} أي إلى الإيمان، كقوله تعالى: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذا} [الأعراف: 43] بمعنى إلى هذا. ومنه قول الراجز: أوحى لها القرار فاستقرت *** وشدها بالراسيات الثُّبّتِ يعني أوحى إليها كما قال تعالى: {بِأنَّ ربكَ أوحى لها} [الزلزلة: 5] أي إليها. قوله تعالى: {رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ} فإن قيل فقد علمواْ أن الله تعالى منجز وعده فما معنى هذا الدعاء والطلب، ففي ذلك أربعة أجوبة: أحدها: أن المقصود به، مع العلم بإنجاز وعده، الخضوع له بالدعاء والطلب. والثاني: أن ذلك يدعو إلى التمسك بالعمل الصالح. والثالث: معناه أجعلنا ممن وعدته ثوابك. والرابع: يعني عّجل إلينا إنجاز وعدك وتقديم نصرك.
{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)} قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى} حكى مجاهد، وعمرو بن دينار أن سبب نزول هذه الآية أم سلمة قالت: يا رسول الله ما بال الرجال يذكرون في الهجرة دون النساء؟ فنزلت هذه الآية. {بَعْضُكُم مِن بَعْضٍ} أي الإناث من الذكور، والذكور من الإناث.
{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198)} قوله تعالى: {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ} فإن قيل: فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز عليه الاغترار فكيف خوطب بهذا، فعنه جوابان: أحدهما: أن الله عز وجل إنما قال له ذلك تأديباً وتحذيراً. والثاني: أنه خطاب لكل من سمعه، فكأنه قال: لا يغرنك أيها السامع تقلب الذين كفروا في البلاد. وفي تقلبهم قولان: أحدهما: يعني تقلبهم في نعيم البلاد. والثاني: تقلبهم غير مأخوذين بذنوبهم.
{وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)} قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ} اختلفوا في سبب نزولها على قولين: أحدهما: أنها نزلت في النجاشي، روى سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أُخْرُجُوا فَصَلُّواْ عَلَى أخٍ لَكُم فَصَلَّى بِنَا أَرْبَعَ تَكْبِيراتٍ، فَقَالَ هَذَا النَجَّاشِيُّ أصحمة» فَقَالَ المْنَافِقُونَ: انظرواْ إلى هذا يصلي على علج نصراني لم يره قط فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهو قول قتادة. والثاني: أنها نزلت في عبد الله بن سلام وغيره من مُسلمة أهل الكتاب، وهذا قول مجاهد، وابن جريج. قوله تعالى: {يَاَ أيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُوا} فيه أربعة تأويلات:- أحدها: اصبرواْ على طاعة الله، وصابرواْ أعداء الله، ورابطواْ في سبيل الله، وهو قول الحسن، وقتادة، وابن جريج، والضحاك. والثاني: اصبرواْ على دينكم، وصابرواْ الوعد الذي وعدكم، ورابطواْ عدوي وعدوكم، وهو قول محمد بن كعب. والثالث: اصبرواْ على الجهاد، وصابرواْ العدو، ورابطواْ بملازمة الثغر، وهو مأخوذ من ربط النفس، ومنه قولهم ربط الله على قلبه بالصبر، وهو معنى قول زيد بن أسلم. والرابع: رابطوا على الصلوات بانتظارها واحدة بعد واحدة: روى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ أَدُلَّكُم عَلَى مَا يَحِطُّ بِه اللهُ الخَطَايَا ويَرْفُعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُواْ بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ: إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرةُ الخُطَا إلىَ المَسَاجِدِ وَانتِظار الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذّلِكُمُ الرَّباط ».
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُم الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} يعني آدم، وفي ذلك نعمة عليكم لأنه أقرب إلى التعاطف بينكم. {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} يعني حواء، قال ابن عباس، ومجاهد، والحسن خلقت من ضلع آدم، وقيل الأيسر، ولذلك قيل للمرأة: ضلع أعوج. {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثيراً وَنِسَاءً} روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عند نزولها عليه: «خُلِقَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ فَهَمَّهَا فِي الرَّجُلُ مِنَ التَّرابِ فَهَمُّهُ فِي التُّرابِ ». {وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ} ومعنى قوله تساءلون به، هو قولهم أسألك بالله وبالرحم، وهذا قول مجاهد وإبراهيم، وقرأ حمزة والأرحام بالكسر على هذا المعنى. وفي الأرحام قولٌ آخر: أنه أراد صِلُوها ولا تقطعوها، وهو قول قتادة، والسدي، لأن الله تعالى قصد بأول السورة حين أخبرهم أنهم من نفس واحدة أن يتواصلواْ ويعلمواْ أنهم إخوة وإن بعدواْ. {إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيكُمْ رَقِيباً} فيه تأويلان: أحدهما: حفيظاً، وهو قول مجاهد. والثاني: عليماً، وهو قول ابن زيد.
{وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3) وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4)} قوله تعالى: {وَءَاتُواْ اليَتَامَى أَمْوَالَهُم وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} فيه أربعة تأويلات: أحدها: الحرام بالحلال، وهو قول مجاهد. والثاني: هو أن يجعل الزائف بدل الجيد، والمهزول بدل السمين ويقول درهم بدرهم، وشاة بشاة، وهو ابن المسيب والزهري والضحاك والسدي. والثالث: هو استعجال أكل الحرام قبل إتيان الحلال، وهو معنى قول مجاهد. والرابع: أن أهل الجاهلية كانواْ لا يورثون الصغار والنساء ويأخذه الرجل الأكبر، فكان يستبدل الخبيث بالطيب لأن نصيبه من الميراث طيب، وأخذه الكل خبيث، وهو قول ابن زيد. {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} أي مع أموالكم، وهو أن يخلطوها بأموالهم لتصير في ذمتهم فيأكلوا ربحها. {إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً} والحُوب: الإثم، ومنه قولهم تحوّب فلانٌ من كذا، إذا توقى، قال الشاعر: فإن مهاجرين تكنفاهُ *** غداة إذٍ لقد خطئنا وحَابَا قال الحسن البصري: لما نزلت هذه الآية في أموال اليتامى كرهوا أن يخالطوهم وجعل ولي اليتيم يعزل ماله عن ماله فشكواْ ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُم فَإِخْوَانُكُم} [البقرة: 220] أي فخالطوهم واتقوا إثمه. {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ الْنِّسَآءِ} فيه أربع تأويلات: أحدها: يعني إن خفتم ألا تعدلواْ في نكاح اليتامى، فانكحوا ما حَلَّ لكم من غيرهن من النساء، وهو قول عائشة رضي الله عنها. والثاني: أنهم كانواْ يخافون ألاّ يعدلوا في أموال اليتامى، ولا يخافون أن لا يعدلواْ في النساء، فأنزل الله تعالى هذه الآية، يريد كما خفتم ألاّ تعدلواْ في أموال اليتامى، فهكذا خافوا ألا تعدلوا في النساء، وهذا قول سعيد بن جبير، والسدي، وقتادة. والثالث: أنهم كانوا يتوقَّون أموال اليتامى ولا يتوقَّون الزنى، فقال كما خفتم في أموال اليتامى، فخافواْ الزنى، وانحكوا ما طاب لكم من النساء، وهذا قول مجاهد. والرابع: إن سبب نزولها، أن قريشاً في الجاهلية كانت تكثر التزويج بغير عدد محصور، فإذا كثر على الواحد منهم مؤن زوجاته، وقَلَّ مالُه، مدّ يده إلى ما عنده من أموال الأيتام، فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ الْنِّسَاءِ}. وفي قوله تعالى: {مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ الْنِّسَاءِ} قولان: أحدهما: أن ذلك عائد إلى النساء وتقديره فانحكوا من النساء ما حلَّ. وهذا قول الفراء. والثاني: أن ذلك عائد إلى النكاح وتقديره فانحكوا النساء نكاحاً طيباً. وهذا قول مجاهد. {مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} تقديراً لعددهن وحصراً لمن أبيح نكاحه منهن وهذا قول عكرمة. {مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} معدول به عن اثنين وثلاث وأربع، وكذلك أُحاد وموحد، وثناء ومثنى، وثلاث ومثلث، ورباع ومربع، وهو اسم للعدد معرفة، وقد جاء الشعر بمثل ذلك، قال تميم بن أبي مقبل: ترى العثرات الزُّرْق تحت لَبَانِه *** أُحاد ومثْنى أضعفتها كواهِله وقال آخر: قتلنا به من بين مَثْنى وموحد *** بأربعة منكم وآخر خامس قال أبو عبيدة: ولم يسمع من العرب صرف ما جاوز الرباع والمربع عن جهته إلا في بيت للكميت، فإنه قال في العشرة عُشار وهو قوله: فلم يَسْتَرِيَثُوكَ حتى رَمِدْ *** ت فوق الرجال خِصالاً عشاراً وقال أبو حاتم: بل قد جاء في كلامهم من الواحد إلى العشرة، وأنشد قول الشاعر: ضربت خماس ضربة عبشمي *** أدار سداس ألاَّ يستقيما {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا} يعني في الأربع، {فَوَاحِدَةً} يعني من النساء. {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} يعني في الإماء. {ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أَلاَّ يكثر مَنْ تعولون، وهو قول الشافعي. والثاني: معناه ألاّ تضلواْ، وهو قول ابن إسحاق، ورواه عن مجاهد. والثالث: ألا تميلوا عن الحق وتجوروا وهو قول ابن عباس، وقتادة، وعكرمة. وأصل العول الخروج عن الحد ومنه عول الفرائض لخروجها عن حد السهام المسمّاة، وأنشد عكرمة بيتاً لأبي طالب: بميزان قسط لا يَخيسُ شعيرةً *** ووازن صِدْقٍ وزنهُ غير عائل أي غير مائل. وكتب عثمان بن عفان إلى أهل الكوفة في شيء عاتبوه فيه: إني لست بميزان قسطٍ لا أعول. قوله تعالى: {وءَآتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ...} اختلف فِيمَنْ توجَّه إليه هذا الخطاب على قولين: أحدهما: أنه متوجه إلى الأزواج، وهو قول الأكثرين. والثاني: أنه متوجه إلى الأولياء، لأنهم كانواْ يتملكون في الجاهلية صداق المرأة، فأمر الله بدفع صدقاتهن إليهن، وهو قول أبي صالح. وأما النَّحلة فهي العطية من غير بدل، وسمي الدين نِحْلَةَ، لنه عطية من الله، وفي تسميه النّحْل بذلك قولان: أحدهما: أنه سمي نحلاً لما يعطي من العسل. والثاني: لأن الله تعالى نَحَلهُ عباده. وفي المراد بالنَّحلة في الصداق أربعة تأويلات: أحدها: يعني فريضة مُسَمَّاة، وهو قول قتادة، وابن جريج. والثاني: أنه نحلة من الله عز وجل لهن بعد أن كان ملكاً للأولياء، وهو قول أبي صالحٍ. والثالث: انه نهى لِما كانوا عليه من خِطْبة الشغار، والنكاح بغير صداق، وهو قول سليمان بن جعفر بن أبي المعتمر. والرابع: انه أراد أن يطيبوا نفساً بدفعه، كما يطيبون نفساً بالنحل والهبة، وهو قول بعض المتأخرين. {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً} يعني الزوجات إن طبن نفساً عن شيء من صداقهن لأزواجهن في قول من جعله خطاباً للأزواج، ولأوليائهن في قول من جعله خطاباً للأولياء. {فَكُلُوهُ هُنِيئاً مَّرِيئاً} الهنيء ما أعقب نفعاً وشفاء، ومنه هنأ البعير للشفاء، قال الشاعر: متبدلاً تَبْدُو مَحاسنه *** يَضَعُ الهناءَ مَواضِعَ النُّقبِ {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)} قوله عز وجل {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ} اختلفوا في المراد بالسفهاء في هذا الموضع على أربعة أقاويل: أحدها: أنهم الصبيان، وهو قول سعيد بن جبير، والحسن. والثاني: أنهم النساء، وهو قول ابن عمر. والثالث: أنه عنى الأولاد المسرفين أن يقسم ماله فيهم فيصير عيالاً عليهم، وهو قول ابن عباس، وابن زيد وأبي مالك. والرابع: أنه أراد كل سفيه استحق في المال حَجْراً، وهو معنى ما رواه الشعبي عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري أنه قال: ثلاثة يَدْعون فلا يستجيب الله لهم: رجل كانت له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل أعطى مالاً سفيهاً وقد قال الله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}، ورجل له على رجل دين لم يُشْهِد عليه. وأصل السفيه خفة الحِلْم فلذلك وصف به الناقص العقل. ووصف به المفسد لماله لنقصان تدبيره، ووصف به الفاسق لنقصانه عند أهل الدين، والعلم. {أَمْوَالَكُمُ} فيه تأويلان: أحدهما: يعني أموال الأولياء، وهو قول ابن عباس. والثاني: أنه عنى به أموال السفهاء، وهو قول سعيد بن جبير. {الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً} قرأ نافع وابن عُمر {قِيَماً} ومعناهما واحد، يريد أنها قُوامُ معايشكم سفائكم. {وَارْزُقُوهُمْ فيها وأكسوهم} فيه قولان: أحدهما: أي أنفقوا أيها الأولياء على السفهاء من أموالهم. {وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} فيه تأويلان: أحدهما: أنه الوعد بالجميل، وهو قول مجاهد. والثاني: الدعاء له كقوله بارك الله فيك، وهو قول ابن زيد. {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى} أي اختبروهم في عقولهم وتمييزهم وأديانهم. {حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ} يعني الحُلُم في قول الجميع. {فَإِنْ ءَانَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً} فيه أربع تأويلات: أحدها: أن الرشد العقل، وهو قول مجاهد، والشعبي. والثاني: أنه العقل والصلاح في الدين، وهو قول السدي. والثالث: أنه صلاح في الدين وإصلاح في المال، وهو قول ابن عباس، والحسن، والشافعي. والرابع: أنه الصلاح والعلم بما يصلحه، وهو قول ابن جريج. {فَادْفَعُواْ إِلَيْهِم أَمْوَالَهُمْ} يعني التي تحت أيديكم أيها الأولياء عليهم. {وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وبِدَاراً أَن يَكْبَرُوا} يعني لا تأخذوها إسرافاً على غير ما أباح الله لكم، وأصل الإسراف تجاوز الحد المباح إلى ما ليس بمباح، فربما كان في الإفراط، وربما كان في التقصير، غير أنه إذا كان في الإفراط فاللغة المستعملة فيه أن يقال أسرف إسرافاً، وإذا كان في التقصير قيل سرف يسرف. قوله تعالى: {وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ} قال ابن عباس: وهو أن تأكل مال اليتيم تبادر أن يكبر، فيحول بينك وبين ماله. {وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ} يعني بماله عن مال اليتيم. {وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} فيه أربعة أقاويل: أحدها: أنه القرض يستقرض إذا احتاج ثم يرده إذا وجد، وهو قول عمر، وابن عباس، وجمهور التابعين. والثاني: أنه يأكل ما يسد الجوعة، ويلبس ما يواري العورة، ولا قضاء، وهو قول الحسن، وإبراهيم، ومكحول، وقتادة. روى شعبة عن قتادة أن عم ثابت بن رفاعة_ وثابت يومئذ يتيم في حجره، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله إن ابن أخي يتيم في حجري، فما يحل لي من ماله؟ قال: «أَنْ تَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ غَيرِ أن تقِيَ مَالَكَ بِمَالِهِ وَلاَ تَتَّخِذْ مِنْ مَالِهِ وَقْراً ». والثالث: أن يأكل من ثمره، ويشرب من رِسْلِ ماشيته من غير تعرض لِمَا سوى ذلك من فضة أو ذهب، وهو قول أبي العالية، والشعبي. روى القاسم بن محمد قال: جاء أعرابي إلى ابن عباس فقال: إن في حجري أيتاماً، وإن لهم إبلاً، فماذا يحل لي منها؟ فقال: إن كنت تبغي ضالتها، وتهنأ جرباءَها، وتلوط حوضها، وتفرط عليها يوم وِرْدِهَا، فاشرب من ألبانها غير مُضِرِّ بنسل، ولا بأهل في الحلب. والرابع: أن يأخذ إذا كان محتاجاً أجرةً معلومة على قدر خدمته، وهو قول عطاء. وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ليس لي مال ولي يتيم، فقال: «كُلْ مِنْ مَالِ يَتيمِكَ غَيرَ مُسْرِفٍ وَلاَ وَاقٍ مَالَكَ بِمَالِهِ ». {فَإِذَا دَفَعْتُم إِلَيْهِم أَمْوَالَهُم فَأَشْهِدُواْ عَلَيهِم} ليكون بيِّنةَ في دفع أموالهم إليهم. {وَكَفَى بِاللهِ حَسِيباً} فيه قولان: أحدهما: يعني شهيداً. والثاني: كافياً من الشهود.
{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)} قوله تعالى: {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَاِلدَانِ والأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ والأَقْرَبُونَ} وسبب نزول هذه الآية، في الجاهلية كانواْ يُوَرِّثُونَ الذكور دون الإناث، فروى ابن جريج عن عكرمة قال: نزلت في لأم كُجَّة وبناتها وثعلبة وأوس بن سويد وهم من الأنصار، وكان أحدهما زوجها والآخر عم ولدها، فقالت: يا رسول الله توفي زوجي وتركني وبنيه ولم نُورَّث، فقال عم ولدها: يا رسول الله ولدها لا يركب فرساً ولا يحمل كلاُّ، ولا ينكأ عدواً يكسب عليها ولا تكسب، فنزلت هذه الآية. {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمُ مِّنْهُ} فيها ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها ثابتة الحكم. قال سعيد بن جبير: هما وليان، أحدهما يرث وهو الذي أمر أن يرزقهم أي يعطيهم، والآخر لا يرث وهو الذي أُمر أن يقول لهم قولاً معروفاً، وبإثبات حكمها قال ابن عباس، ومجاهد، والشعبي، والحسن، والزهري. ورُوْي عن عبيدة أنه وَليَ وصية فأمر بشاة فذبحت، وصنع طعاماً لأجل هذه الآية وقال: لولا هذه الآية لكان هذا من مالي. والقول الثاني: أنها منسوخة بآية المواريث، وهذا قول قتادة، وسعيد بن المسيب، وأبي مالك، والفقهاء. والثالث: أن المراد بها وصية الميت التي وصَّى بها أن تفرق فِيْمَنْ ذُكِرَ وفِيمَنْ حَضَرَ، وهو قول عائشة. فيكون ثبوت حكمها على غير الوجه الأول. واختلف مَنْ قال: بثبوت حكمها على الوجه الأول في الوارث إذا كان صغيراً هل يجب على وليَّه إخراجها من سهمه على قولين: أحدهما: يجب، وهو قول ابن عباس، وسعيد، ويقول الولي لهم قولاً معروفاً. والثاني: أنه حق واجب في أموال الصغار على الأولياء، وهو قول عبيدة، والحسن. {وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} فيه قولان: أحدهما: أنه خطاب للورثة وأوليائهم أن يقولوا لمن حضر من أولي القربى، واليتامى، والمساكين قولاً معروفاً عند إعطائهم المال، وهذا قول ابن عباس، وسعيد بن جبير. والثاني: خطاب للآخرين أن يقولوا للدافعين من الورثة قولاً معروفاً، وهو الدعاء لهم بالرزق والغنى. {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواْ اللهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} فيه أربعة أقاويل: أحدها: أن معناه وليحذر الذين يحضرون مَّيتاً يوصي في ماله أن يأمروه بتفريق ماله وصية فيمن لا يرثه ولكن ليأمروه أن يبقى ماله لولده، كما لو كان هو الموصي لآثر أن يبقة ماله لولده، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، والسدي. والثاني: أن معناه وليحذر الذين يحضرون الميت وهو يوصي أن ينهوه عن الوصية لأقربائه، وأن يأمره بإمساك ماله والتحفظ به لولده، وهم لو كانوا من أقرباء الموصى لآثروا أن يوصي لهم، وهو قول مقسم، وسليمان بن المعتمر. والثالث: أن ذلك أمر من الله تعالى لِوُلاَةِ الأيتام، أن يلوهم بالإحسان إليهم في أنفسهم وأموالهم، كما يحبون أن يكون ولاة أولادهم الصغار من بعدهم في الإحسان إليهم لو ماتوا وترمواْ أولادهم يتامى صغاراً، وهو مروي عن ابن عباس. والرابع: أن من خشي على ذريته من بعده، وأحب أن يكف الله عنهم الأذى بعد موته، فليتقوا الله وليقولا قولاً سديداً، وهو قول أبي بشر بن الديلمي. {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} عبر عن الأخذ بالأكل لأنه مقصود الأخذ. {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِم نَاراً} فيه قولان: أحدهما: يعني انهم يصيرون به إلى النار. والثاني: أنه تمتلئ بها بطونهم عقاباً يوجب النار. {وَسَيَصْلَونَ سَعِيراً} الصلاء لزوم النار، والسعير إسعار النار، ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} [التكوير: 12].
|